لن أسلم رايتى .. فاروق جويدة
لن تسمعوا صوتي.. ولا صرخاتي
ما عاد يجدي النصح في الأموات
من مُنجِدي في الحرب.. سيفٌ عاجزٌ
أم أمةٌ ركعت لقهر غزاة
من سامعي في الأسر.. ليلٌ حالك
أم أمة سكِرت على مأساتي
من منقذي في الموت.. عهدٌ خائنٌ
أم موكب للشجب والصيحات
من أرتجي والعارُ يسكن أمةً
كفنتُها في القلبِ من سنواتِ
من منقذي والدمُّ بين عروقنا
يغلي بنار الحقد واللعنات
إني سئمت النصح من كهانها
ما بين عهد كاذب..وعظات
كانت هنا يوما بلادٌ هاجرتْ
لمواكب الطغيان والظلماتِ
هي أمة سكبت رحيق شبابها
وتشردت شيعاً بكل شتاتِ
هي أمة باعت صهيلَ جيادها
للراكعين على حذاء طغاةِ
هي أمة حكمت زمام شعوبها
بالموت.. والنيران والصفقاتِ
عارٌ علي الوطن العريق تساقطت
فرسانه كمدا بلا غزوات
وغدا قبيح الوجه يحمل سيفه
متعثرَ الأحلام والخطوات
أين الطريقُ وقد تراخى عزمنا
واسود وجه الكون في نظراتي
إني كرهت الركض خلف هواجسي
وأضعت في الزمن البغيض حياتي
****
خمسون عاما عشت أصرخ.. أمتي
ومواكب الشهداء بالعشرات
خمسون عاما والطغاة فوارسٌ
خاضوا الليالي الحُمرَ في الحاناتِ
خمسون عاماً في الدروب قضيتها
أجري وراء الوهم والنكبات
يا ضيعةَ العمر الطويل وخيبتي
في أمة تختالُ بالنكسات
هذا تراب القدس يحمل أعظُمي
وتكفن الجسدَ النحيل صلاتي
هذا المدي قبري.. وتلك نهايتي
فالمجد بيتي.. والعلا شرفاتي
أنا صيحة الحق الجسور تفجرت
في ظلمة اليأس الطويل العاتي
أنا صرخة الأمل الوليد تحجرت
في عين طفلٍ زائغ النظرات
أنا فرحة بين الصغار وبسمةٌ
تسري كضوء الصبح في الطرُقات
أنا نظرة القدس الحزينةُ كلما
نزفت على يدها عيون فتاة
قل ما أردت عن البطولة والفِدا
واكتب جميلَ الشعر والأبياتِ
لاشئ أغلى من دماء مقاتلٍ
بالدم يكتب أروع الصفحات
والآن نرسم بالدماء طريقنا
هل بعد عِطرِ الدم من كلمات
الآن أسمع صوت كل شهيدة
قد زينت بدمائها راياتي
الآن أرقب وجه كل صغيرةٍ
رفعت جبين القدس في الساحات
قل ما أردتَّ عن البطولة والفدا
واصرخ أمام الناس بالدعوات
لا شئ غير الموتِ يُحيي أرضنا
وشهادة عندي بألف صلاةِ
****
أنا في حصاري الآن أجمع أنجمي
وأعيد رسمَ الكونِ في لحظات
أنا في حصاري الآنَ أرصد رحلتي
فأرى دمانا أقدسَ الرحلات
أنا لست مسجونا لأن ملامحي
سكنت قلوب الناس كالنبضات
أنا صامد في الأرض بين ترابها
وسط النخيل.. وفي شذى الزهرات
عند الخليل وخلف غزة كلما
لاحت وفي يدها الصباحُ الآتي
أنا صامد في القدس حين تعيدني
طفلا أحلِّق في شواطئ ذاتي
أنا صامد في ليل يافا كلما
ذابت مآقيها من العبرات
في الأسر أرسم كل يومٍ صورةً
وطنا عنيدا شامخَ الرايات
هذا صلاح الدين يسمع صرختي
ويُطل من بين الظلام العاتي
أنا يا صلاح الدين خلفك لا تخف
فلديك شعب واثق الخطوات
قم ياصلاح الدين هذا شعبُنا
يرمي حمى الشيطان بالجمرات
قم يا صلاح الدين وأسمع أمة
تبكي علي أمجادك العطرات
****
صافحت جلادي وقلت لعلني
يوما سأطوي غربتي وشتاتي
وحلمت بالزمن الجميل وحوله
وطن يلملم أخوتي.. وبناتي
ورضيت أن أمضي حزينا ساخطا
وهواجس السوداء في خفقاتي
شاهدت خنزيرا يضاجع قدسنا
ويطوف سكرانا علي البارات
كانت مآذنها تئن وتشتكي
وتهيم بين اليأس والحسرات
وأفقت من حلمي رأيت مدينتي
صارت كنهر الدم في لحظات
يا خيبة الأحلام حين يصيبنا
سهم الخداع وخسة الغايات
يا أيها الخنزير إني صامد
جبل أمام القهر والأزمات
أفعل بنا ما شئت بين قبورنا
طفل سيولد فوق كل رفات
****
يا أيها الوحش الكبير تناثرت
في راحتيك جماجم الأموات
تلقي علينا الموت كل دقيقة
مابين جوعي عندنا وعراة
مازلت تسكر من دماء صغارنا
وتدورمنتشيا علي الشاشات
بغداد مازالت تلم جراحها
ودماء قتلاها علي الطرقات
كابول تزأر في أنين صلاتها
وتطارد الشيطان في الحانات
يا دولة البغي الطويل تمهلي
هذي الشعوب تفور بالثورات
****
أما أنا.. سأظل وحدي صامدا
وسط الخراب ولن تلين قناتي
وطني الذي يوما جننت بحبه
مازال حلمي.. قصتي.. مأساتي
قد عشتُ أحلم أن أموت بأرضه
ويكون آخر ما طوت صفحاتي
إني أراه يطل من عليائه
مثل الجبال الشُّم في النكبات
فإذا توارى الوجه عودوا واسمعوا
في كل فاجعة صدى كلماتي
ولتذكروني كلما لاحت لكم
في ظلمة الوطن الحزين حياتي
سيطل طفل من رماد بيوتنا
ويطوف فوق القدس بالرايات
يا ربي فلتقبل شهيدا يرتجي
منك الشهادة عند كل صلاة
إجمع بعين القدس يوما أمتي
وانثر علي أرض الصمود رفاتي
ولتنثروا جسدي على أرض الهدى
في القدس. في سيناء.. في عرفات
صلوا علي الجسد النحيل وأغلقوا
عيني على الوطن الحبيب الآتي
ولتدفنوني يا رفاقي واقفاً
لن ينحني رأسي لقهر طغاةِ
فأنا الصمود.. أنا الشموخ.. أنا الردى
أنا لن أسلم رايتي.. لغزاة
ليست هناك تعليقات