عذبة أنتِ.. أبو القاسم الشابي
عذْبةٌ أنتِ كالطّفولـةِ، كالأحـلامِ كاللّـحـنِ، كالصـبـاحِ الجـديـدِ
كالسَّماء الضَّحُوكِ كالليلةِ القمـراءِ كـالـورد، كابتـسـام الـولـيـدِ
يـا لهـا مـن وَداعـةٍ وجـمـالٍ وشـبــابٍ مُـنَـعَّـم أمْـلُــودِ!
يا لها من طهـارةٍ، تبعـثُ التقـديـسَ في مهجـة الشَّقـيِّ العنيـدِ!..
يالهـا رقَّـةً تكـادُ يَـرفُّ الـوَرْدُ منها فـي الصخْـرةِ الجُلْمُـودِ!
أيُّ شيء تُراكِ؟ هلى أنتِ "فينيـسُ" تَهـادتْ بيـن الـورى مِـنْ جديـدِ
لتُعيدَ الشَّبـابَ والفـرحَ المعسـولَ للْعـالـم التـعـيـسِ العـمـيـدِ!
أم ملاكُ الفردوس جـاء إلـى الأرضِ ليُحيـيِ روحَ السَّـلامِ العهيـدِ!
أنتِ..، ما أنتِ؟ أنتِ رسـمٌ جميـلٌ عبقـريٌّ مـن فـنِّ هـذا الوجـودِ
فيكِ ما فيه مـن غمـوضٍ وعُمـقٍ وجـمـالٍ مُـقَــدِّسٍ مـعـبـودِ
أنتِ.. ما أنتِ؟ أنتِ فَجْرٌ من السّحرِ تـجـلّـى لقـلـبـيَ المـعـمـودِ
فأراه الحياةَ فـي مونِـق الحسـن وجلّـى لــه خفـايـا الخـلـودِ
أنـتِ روحُ الرَّبيـعِ، تخـتـالُ فـالدنيـا فتهتـزُّ رائعـاتُ الــورودِ
وتهبُّ الحيـاة سكـرى مـن العِـطْـر، ويـدْوي الوجـودُ بالتَّغْـريـدِ
كلمـا أبْصَرَتْـكِ عينـايَ تمشـيـن بـخـطـوٍ مـوقَّــعٍ كالنـشـيـدِ
خَفَقَ القلبُ للحيـاة ، ورفّ الـزّهـرُ فـي حقـل عمـريَ المـجـرودِ
وأنتشتْ روحـي الكئيبـةُ بالحـبِّ وغـنـتْ كالبـلـبـل الـغـرِّيـدِ
أنتِ تُحِييـنَ فـي فـؤادي مـا قـد ماتَ فـي أمسـي السعيـدِ الفقيـدِ
وَتُشِيديـنَ فـي خرائـبِ روحــي ما تلاشـى فـي عهـديَ المجـدودِ
من طموحِ إلى الجمالِ إلـى الفـنِّ، إلـى ذلــك الفـضـاءِ البعـيـدِ
وتَبُثِّين رقّـةَ الشـوق، والأحـلامِ والشّدوِ، والهـوى ، فـي نشيـدي
بعـد أن عانقـت كآبـةُ أيَّـامـي فــؤادي، وألجـمـتْ تغـريـدي
أنـت أنشـودةُ الأناشيـد، غنـاكِ إلــه الغـنـاءِ، ربُّ القـصـيـدِ
فيكِ شبّ الشَّبابُ، وشَّحـهُ السِّحْـرُ وشدوُ الهـوى ، وَعِطْـرُ الـورودِ
وتراءى الجمـالُ، يَرْقُـصَ رقصـاً قُدُسيَّـا، علـى أغانـي الـوجـودِ
وتهادتْ فـي لإُفْـقِ روحِـكِ أوْزانُ الأغَـانـي، وَرِقّــةُ التّـغـريـدِ
فَتَمايلـتِ فـي الوجـود، كلـحـنٍ عبقـريِّ الخيـالِ حلـوِ النشـيـدِ:
خطـواتٌ، سكرانـةُ بالأناشـيـد، وصـوتٌ، كرجْـع نــاي بعـيـدِ
وَقـوامٌ، يَكَـادُ يَنْطُـقُ بالألـحـان فــي كــلِّ وقـفـةٍ وقـعـودِ
كـلُّ شـيءٍ موقَـعٌ فيـكِ، حتّـى لَفْتَـةُ الجيـد، واهتـزازُ النـهـودِ
أنتِ..، أنتِ الحيـاةُ، فـي قدْسهـا السامى ، وفي سحرها الشجيِّ الفريدِ
أنتِ..، أنتِ الحيـاةُ، فـي رقَّـةِ الفجر فـي رونـق الرَّبيـعِ الوليـدِ
أنـتِ..، أنـتِ الحيـاةً كـلَّ أوانٍفـي رُواءِ مـن الشبـاب جـديـدِ
أنتِ..، أنتِ الحياةُ فيكِ وفي عينَيْـْكِ آيــاتُ سحـرهـا المـمـدُودِ
أنتِ دنيا مـن الأناشيـد والأحْـلام والسِّـحْـرِ والخـيـال الـمـديـدِ
أنتِ فوقَ الخيال، والشِّعـرِ، والفـنِّوفـوْقَ النُّهَـى وفـوقَ الـحُـدودِ
أنتِ قُدْسي، ومَعبـدي، وصباحـي، وربيعـي، ونَشْوَتِـي، وَخُـلـودي
يا ابنةَ النُّـور، إنّنـي أنـا وَحْـدي مـن رأى فيـكِ رَوْعَـةَ المَعْبُـودِ
فدَعيني أعيشُ فـي ظِلّـك العـذْبِ وفـي قـرْب حُسْنـك المشـهـودِ
عيشـةً للجمـال والفـنّ والإلهـام والطُّهـرْ، والسّنَـى ، والسّـجـودِ
عيشةَ النَّاسِكِ البُتولِ يُنَاجـي الـرّبَّ فـي نشـوَةِ الذُّهـول الشديـدِ
وامنَحيني السّـلامَ والفـرحَ الـرّوحيَّ يـا ضَـوْءَ فجْـريَ المنشـودِ
وارحَميني، فقدْ تهدَّمـتُ فـي كـونٍ مـن اليـأس والظـلام مَشـيـدِ
أَنقذِيني من الأَسـى ، فلقـد أَمْسـيتُ لا أستطيـعُ حـمـلَ وجــودي
في شِعَابِ الزَّمان والمـوت أمشـي تحت عـبءِ الحيـاة جَـمَّ القيـودِ
وأماشي الـورَى ونفسـيَ كالقـبرِ، وقلـبـي كالعـالـم المـهـدودِ
ظُلْمَـةٌ، مـا لهـا ختـامٌ، وهـولٌ شائـعٌ فــي شكـونـا المـمـدودِ
وإذا مـا اسْتخفّنـي عَبَـثُ النَّـاس تبسَّمـتُ فـي أسَــىً وجُـمُـودِ
بسمـةً مُـرَّةً، كـأنِّـيَ أسـتـلُّ مـن الشَّـوْك ذابـلاتِ الــورودِ
وانْفخي في مَشَاعِري مَـرَحَ الدُّنيـا وشُـدِّي مِـنْ عزمـيَ المجـهـودِ
وابعثي في دمي الحَـرارَة ، عَلَّـي أتغنَّـى مـع المنـى مِـنْ جَـديـدِ
وأبـثُّ الـوُجـودَ أنْـغـامَ قـلـبٍ بُلْـبُـلـيٍّ، مُـكَـبَّـلٍ بالـحـديـدِ
فالصباحُ الجميـلُ يُنعـشُ بالـدِّفءْ حـيـاةَ المـحـطَّـمِ الـمـكـدودِ
أَنقذينـي، فقـد سئمـتُ ظـلامـي! أَنقذينـي، فقـد مللـتُ ركــودي
آهِ يا زَهرتي الجميلـةُ لـو تَدْرِيـن مـا جَـدَّ فـي فـؤادي الوَحِـيـدِ
في فؤادي الغريـبِ تُخْلَـقُ أكـوانٌ مـن السحـر ذات حسـن فـريـد
وشـمـوسٌ وضَّــاءةٌ ونـجـومٌ تَنْثُـرُ النُّـورَ فـي فَضَـاءٍ مـديـدِ
وربيـعٌ كـأنّـه حُـلُـمُ الشّـاعـرِ فـي سَكـرة الشّـبـاب السعـيـدِ
ورياضٌ لا تعرف الحَلَـك الدَّاجـي ولا ثــورةَ الخَـريـفِ العتـيـدِ
وَطُـيـورٌ سِحْـرِيَّـةٌ تتـنـاغَـى بأناشـيـدَ حـلــوةِ التـغـريـدِ
وقصورٌ كأَنَّها الشَّفَـقُ المخضُـوبُ أو طلـعـةُ الصـبـاحِ الـولـيـدِ
وغـيــومٌ رقـيـقـة تَـتَــادَى كأَباديـدَ مــن نُـثَـارِ الــورودِ
وحيـاةٌ شعريَّـةٌ هـي عـنـدي صورةٌ من حيـاةِ أهـلِ الخلـودِ
كـلُّ هـذا يشيـدهُ سحـرُ عينيـكِ وإلـهـامُ حـسْـنـكِ المـعـبـودِ
وحـرامٌ عليـكِ أن تَهْدمـي مــا شَادهُ الحُسْـنُ فـي الفـؤاد العميـدِ
وحـرامٌ علـيـكِ أن تسْحَـقـي آمـالَ نفـسٍ تصْبـو لعيـشٍ رغيـدِ
منـكِ ترجـو سَعَـادَةً لـم تجدْهَـا في حياةِ الوَرَى وسحـرِ الوجـودِ
فالإلـهُ العظيـمُ لا يَرْجُـمُ العَـبْـدَ إذا كـانَ فـي جَــلالِ السّـجـودِ
ليست هناك تعليقات