الأطلال - إبراهيم ناجي




يا فؤادي، رحم الله الهوىكان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلالهوارو عني، طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراًوحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلمهم تواروا أبداً، وهو انطوى
***
يا رياحاً، ليس يهدا عصفهانضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفاوأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجرهلا الهوى مال، ولا الجفن غفا
وإذا القلب - على غفرانه -كلما غار به النصل عفا
***
يا غراماً كان مني في دميقدراً كالموت، أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسهوقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينهواغتصابي بسمه من فمه
ليت شعري أين منه مهربيأين يمضي هارب من دمه ؟
***
لست أنساك وقد ناديتنيبفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي، كيد منخلال الموج مدت لغريق
آه يا قبلة أقدامي، إذاشكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري لهأين في عينيك ذياك البريق ؟
***
لست أنساك، وقد أغريتنيبالذرى الشم،فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي، وأنالك أعلو، فكأني محض روح
يا لها من قمم كنا بهانتلاقى، وبسرينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجهاونرى الناس ظلال في السفوح
***
أنت حسن في ضحاه لم يزلوأنا عندي أحزان الطفل
وبقايا الظل من ركب رحلوخيوط النور من نجم أفل
ألمح الدنيا بعيني سئموأرى حولي أشباح الملل
راقصات فوق أشلاء الهوىمعولات فوق أجداث الأمل
***
ذهب العمر هباء، فاذهبيلم يكن وعدك إلا شبحا
صفحة قد ذهب الدهر بهاأثبت الحب عليها ومحا
انظري ضحكي ورقصيفرحا وأنا أحمل قلباً ذبحا
ويراني الناس روحا طائراًوالجوى يطحنني طحن الرحى
***
كنت تمثال خيالي، فهوىالمقادير أرادت لا يدي
ويحها، لم تدر ماذا حطمتحطمت تاجي، وهدت معبدي
يا حياة اليائس المنفرديا يباباً ما به من أحد
يا قفاراً لافحات ما بهامن نجي، يا سكون الأبد
***
أين من عيني حبيب ساحرفيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكاًظالم الحسن، شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربىساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة، في منطقهلغة النور، وتعبير السماء
***
أين مني مجلس أنت بهفتنة تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب ودموفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بينناونديم قدم الكأس لنا
وسقانا، فانتفضنا لحظةلغبار آدمي مسنا !
***
قد عرفنا صولة الجسم التيتحكم الحي، وتطغى في دماه
وسمعنا صرخة في رعدهاسوط جلاد، وتعذيب إله
أمرتنا، فعصينا أمرها وأبيناالذل أن يغشى الجباه
حكم الطاغي، فكنا في العصاةوطردنا خلف أسوار الحياه
***
يا لمنفيين ضلا في الوعوردميا بالشوك فيها والصخور
كلما تقسو الليالي، عرفاروعة الآلام في المنفى الطهور
طردا من ذلك الحلم الكبيرللحظوظ السود، والليل الضرير
يقبسان النور من روحيهماكلما قد ضنت الدنيا بنور
***
أنت قد صيرت أمري عجباكثرت حولي أطيار الربى
فإذا قلت لقلبي ساعةقم نغرد لسوى ليلى أبى
حجب تأبى لعيني مأرباغير عينيك، ولا مطلبا
أنت من أسدلها، لا تدعيأنني أسدلت هذي الحجبا
***
ولكم صاح بي اليأس انتزعهافيرد القدر الساخر : دعها
يا لها من خطة عمياء، لو أننيأبصر شيئاً لم أطعها
ولي الويل إذا لبيتهاولي الويل إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي، ولو كل القوىتشتري عزة نفسي، لم أبعها
***
يا حبيباً زرت يوماً أيكهطائر الشوق، أغني ألمي
لك إبطاء الدلال المنعموتجني القادر المحتكم
وحنيني لك يكوي أعظميوالثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعيمرهف السمع لوقع القدم
***
قدم تخطو، وقلبي مشبهموجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم : بالله إلى كمأسفح الدمع على موطئها
رحمه أنت، فهل من رحمةلغريب الروح أو ظامئها
يا شفاء الروح، روحي تشتكيظلم آسيها، إلى بارئها
***
أعطني حريتي واطلق يديّإنني أعطيت ما استبقيت شيّ
آه من قيدك أدمى معصميلم أبقيه، وما أبقى علي ؟
ما احتفاظي بعهود لم تصنهاوإلام الأسر، والدنيا لدي !
ها أنا جفت دموعي فاعف عنهاإنها قبلك لم تبذل لحي
***
وهب الطائر من عشك طاراجفت الغدران، والثلج أغارا
هذه الدنيا قلوب جمدتخبت الشعلة، والجمر توارى
وإذا ما قبس القلب غدامن رماد، لا تسله كيف صارا
لا تسل واذكر عذاب المصطليوهو يذكيه فلا يقبس نارا
***
لا رعى الله مساء قاسياً قدأراني كل أحلامي سدى
وأراني قلب من أعبده ساخراًمن مدمعي سخر العدا
ليت شعري، أي أحداث جرتأنزلت روحك سجناً موصدا!
صدئت روحك في غيهبهاوكذا الأرواح يعلوها الصدا
***
قد رأيت الكون قبراً ضيقاً -خيم اليأس عليه والسكوت
ورأت عيني أكاذيب الهوىواهيات كخيوط العنكبوت
كنت ترثي لي، وتدري ألميلو رثى للدمع تمثال صموت
عند أقدامك دنيا تنتهيوعلى بابك آمال تموت
***
كنت تدعوني طفلا، كلماثار حبي، وتندت مقلي
ولك الحق، لقد عاش الهوىفي طفلا، ونما لم يعقل
وأرى الطعنة إذ صوبتهافمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفل، فأدمت قلبهوأصابت كبرياء الرجل
***
قلت للنفس وقد جزنا الوصيداعجلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شبت نارهتأكل الركع فيه والسجودا
يتمنى لي وفائي عودةوالهوى المجروح يأبى أن نعودا
لي نحو اللهب الذاكي بهلفتة العود إذا صار وقودا
***
لست أنس أبداً ساعة في العمرتحت ريح صفقت لارتقاص المطر
نوحت للذكر وشكت للقمروإذاما طربت عربدت في الشجر
هاك ما قد صبت الريــــح بأذن الشاعروهي تغري القلب إغـراء الفصيـح الفاجر :
" أيها الشاعر تغفو تذكر العهد وتصحووإذا ما التام جرح جد بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى وتعلم كيف تمحوأو كـل الحب في رأيـك غفـران وصفح ؟
***
هاك فانظر عدد الرمـــــل قلوباً ونساءفتخير ما تشاء ذهب العمر هباء
ضل في الأرض الذي ينشد أبناء السماءأي روحانية تعـــــصر من طين وماء؟ "
***
أيها الريح أجل، لكنما هيحبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيب لقلبي خلقتأشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
وعلى موعدها أطبقت عينيوعلى تذكارها وسدت رأسي
***
جنت الريح ونادتــــــــــه شياطين الظلامأختاماً ! كيف يحلو لك في البدء الختام ؟
يا جريحاً أسلم الــــــــــجرح حبيباً نكأةهو لا يبكي إذا النـــــــــــاعي بهذا نبأه
أيها الجبار هل تصــــــــرع من أجل امرأه ؟
***
يا لها من صيحة ما بعثتعنده غير أليم الذكر
أرقت في جنبه، فاستيقظتكبقايا خنجر منكسر
لمع النهر وناداه لهفمضى منحدرا للنهر
ناضب الزاد، وما من سفردون زاد غير هذا السفر
***
يا حبيبي كل شيء بقضاءما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا ذاتيوم بعدما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خلهوتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلي غايتهلا تقل شئنا،وقل لي الحظ شاء !
***
يا مغني الخلد، ضيعت العمرفي أناشيد تغنى للبشر
ليس في الأحياء من يسمعناما لنا لسنا نغني للحجر !
للجمادات التي ليست تعيوالرميمات البوالي في الحفر
غنها، سوف تراها انتفضتترحم الشادي وتبكي للوتر
***
يا نداء كلما أرسلتهرد مقهوراً وبالحظ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنىعاد لي وهو نواح وندم
رب تمثال جمال وسنالاح لي والعيش شجو وظلم
ارتمى اللحن عليه جاثياًليس يدري أنه حسن أصم
***
هدأ الليل ولا قلب لهأيها الساهر يدري حيرتك
أيها الشاعر خذ قيثارتكغن أشجانك واسكب دمعتك
رب لحن رقص النجم لهوغزا السحب وبالنجم فتك
غنه، حتى ترى ستر الدجىطلع الفجر عليه فانهتك
***
وإذا ما زهرات ذعرتورأيت الرعب يغشى قلبها
فترفق واتئد واعزف لهامن رقيق اللحن، وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسىوبكت مستصرخات ربها
أيها الشاعر، كم من زهرةعوقبت، لم تدر يوماً ذنبها !

ليست هناك تعليقات